الكلام والفلاسفة(*)
يكمن خطّ الفصل الرّمزي في الوعي بأنّ اللفظ لا يتحدّد من تلقاء نفسه بل من خلالنا نحن. فالهيمنة الإنسانية تُفتكّ من الأنطولوجيا ومن لحظة اندهاش ومن خيبة أمل ومن قلق: إنها ساعة الفلسفة. إذ لا يِدرك الإنسان إلا بغضّ النظر عن كلّ الموانع الأسطورية، فيستطيع أن يُمسك بالألفاظ التي تُخضِعه إلى قانونها. فالألفاظ تنتظر منه أن يُحلِّلها. لذلك فَتحوُّل القدرة (لديه) مُتعلق بهذا الاكتشاف. لقد كان العالم الأسطوري عالم تسميات، فلكلّ شيء اسم، ويكون كلّ شيء حسب اسمه، وعلى عكس ذلك فإنّ عالم التفكّر هو عالم المعنى: فالتسميات لا قيمة لها بدون المقاصد.
إنّ مغامرة الفكر الغربي تبدأ عندما يُوضّح الفكر الإغريقي استقلالية الكلام الإنساني. إنّ خلق وقائع الطبيعة أو على الأقل خلق معناها يُعَدُّ من مشمولات الإنسان. ومن هنا فالإنسان مقياس لكلّ الأشياء وإله في كونه، إله يدخل في عداد الآلهة، ويدّعي مجادلتها في امتلاك العالم…
للاطلاع على الملف كاملا المرجو الضغط هنا
* ترجمة الفصلين الثالث والرابع من كتاب الكلام لجورج غيسدورف
George Gusdorf, La parole, Paris, P.U.F, 1952.
العنوان الأصلي للكتاب في لغته الفرنسيّة هو (La Parole) للفيلسوف جورج غيسدورف (George Gusdorf)، وقد صدرت الطبعة الأولى لهذا الكتاب سنة 1952 لدى النشرة الفرنسية (P.U.F)، ويعتبر هذا الكتاب دراسة حول التواصل الإنساني واللغة. يوضّح غيسدورف مختلف معاني الكلام بدءاً بالأسس الثيولوجية (الفصل الأول، الكلام والآلهة)، مروراً بالكلام كواقعة إنسانية دالّة على التواصل (الفصل الرابع)، وصولاً إلى دراسة بنياته اللغوية. كان جورج غيسدورف (1912-2000) تلميذاً لغاستون بشلار بدار المعلمين العليا بباريس، وينتمي إلى جيل جون بياجي ويونكليفيتش، وقد كان متأثراً بالمدرسة النقدية لويلهام ديلتاي. كتب كثيراً في السيرة الذاتية (l’autobiographie)، اهتمّ بمواضيع ميتافيزيقية فكتب الأسطورة والميتافيزيقا (1953)، رسالة في الميتافيزيقا (1953)، وكتب أيضاً المعنى الإنساني للحريّة (1962)، أفول الأوهام، ذاكرات على غير أوانها (2002)، إلى جانب محاولات أخرى تعود إلى مرحلة بداياته مثل نصّ اكتشاف الذات (1948)، التجربة الإنسانية للتضحية (1948)، الذاكرة والشخص (1951). كما كتب كذلك سلسلة (collection) العلوم الإنسانية والفكر الغربي في ثلاثة عشر مجلّداً (1966-1988). لكنّ جورج غيسدورف لم يلق الاهتمام اللازم، رغم عمق أفكاره وتفرّد لغته وتميز أسلوبه، فقد أغفله تاريخ الفلسفة الغربي، وظلّت كتاباته في ظلمة حالكة.